ظاهرة العنوسة

بواسطة Marrakech يوم الاثنين، 12 ديسمبر 2011 القسم : 0 commentaires

ان مفهوم العنوسة في المصطلح الشعبي العامي يعني البايرة ويقصد بها كل فتاة تأخرت عن سن الزواج المتفق عليه اجتماعيا.وفي عرف المجتمع أن البايرة هي الفتاة التي لم تعد صالحة للزواج لأن قطار الزمن تجاوزها .وفي الحقيقة أن هذا المصطلح مأخوذ من قولهم بارت الأرض اذا فسدت ولم تعد صالحة للزراعة وهذه إشارة واضحة إلى ان الفتاة التي بلغت السن التي حددها المجتمع ولم تتزوج لا تستطيع الانجاب أو على الأقل تكون خصوبتها ضعيفة ومن ثم يتبرم الشباب من الزواج بها .ومصطلح البايرة قبيح ومستهجن وهو جارح ومهين لكل فتاة تعير به . ان العنوسة ظاهرة اجتماعية عانت منها الدول الغربية منذ الحرب العالمية , وما زالت آثارها الوخيمة وانعكاساتها السلبية تهيمن على المجتمعات الغربية كظاهرة الأم العازبة,والزواج المثلي وشيوع الفاحشة …وككل ظاهرة اجتماعية ,فهي كالوباء قابلة للانتشار وبسرعة اذا لم تجفف المنابع التي تمدها بالقوة . وقد تتحول الى كارثة اجتماعية تؤرق المجتمع, وتدفع به الى الهاوية اذا لم تعالج في الوقت المناسب وبالعلاج المناسب. قد يبدو للوهلة الأولى أن العنوسة هي مسألة شخصية تتعلق بالفرد ,ذكرا كان أم أنثى لكن الواقع عكس ذالك لأن الفرد ركيزة أساسية ,ومن مجموع الأفراد يتكون المجتمع . ان ظاهرة العنوسة في بلادنا والتي لم تكن معروفة على الأقل بالشكل الحالي الى عهد قريب هي نتيجة السياسة التي اتبعتها الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي منذ الاستقلال الى اليوم والتي كان من ثمرتها تأخر سن الزواج والهجرة خارج البلاد .وبالتالي استفحال ظاهرة العنوسة .وهنا أشير الى أن المجتمع المغربي يحدد سن العنوسة بالنسبة للفتاة في العالم القروي في العشرين سنة .أما في العالم الحضري فقد تصل هذه السن الى ثلاثين سنة .ترى بعض الاحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أ ن العنوسة بين الفئات العمرية التي توجد بين 15 سنة و24 سنة أصبحت تقارب مئة في المئة مع العلم أن معدل سن الزواج في المغرب ارتفع لدى النساء الى 28 سنة أما بالنسبة للرجال فقد ارتفع الى 31 سنة وظاهرة العنوسة تستفحل يوما بعد يوم ,وهي في تزايد مستمر خصوصا في ظل غياب أي مشروع لمحاربتها .ففي الرباط مثلا تم خلال سنة 2001 عقد 8569 قران زواج وفي نفس السنة وبنفس المدينة تم 2721 حالة طلاق, من خلال هذا المثال البسيط يظهر هول الكارثة العنوسية التي تعيشها بلادنا . ولقد تحدثت بعض الدراسات عن 8 ملايين من العوانس في المغرب وهو رقم ان صح مخيف خاصة اذا أضفنا اليه نسبة المطلقات واللاتي غالبا ما تغيب عندهن فرصة الزواج مرة ثانية للنظرة السلبية التي ينظر بها المجتمع اليهن ,فيصبحن بحكم الطلاق عوانس. ان للعنوسة أسباب متعددة نذكر على رأسها غياب مطلق لوسائل الإعلام على صعيد التوعية بأهمية الزواج ,وبخلاف ذلك حضورها المكثف في دعوتها لاستعمال وسائل منع الحمل ,وهي دعوة ضمنية لنشر الفاحشة والفوضى الجنسية وطبيعي جدا في ظل ظاهرة العري الفاحش والزنا المباح وما يسمى بالسياحة الجنسية أن يعزف الشباب عن الزواج لأنه وجد البديل الذي يعفيه من التزامات مادية هو أصلا غير قادر عليها ولا يملكها, زيادة على ذلك غياب الوازع الديني لدى شريحة كبيرة من الشباب.دون أن ننسى غلاء المهور,والمبالغة في مصاريف الزواج ككل.وان كان ديننا الحنيف دعا الى تيسر الزواج وحث عليه . فقد جاء في الحديث <<اذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه والا تفعلوا تكن فتنة وفساد في الأرض أو كما قال صلى الله عليه مسلم)) ولقد زوج الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيا بما يحفظ من القرءان .وفي هذه الأيام قرأت في إحدى المجلات أن يمنيا زوج ابنته بخمس آيات استظهرها الزوج بحضرة القاضي كمهر لعروسه.[أقلهن مهورا أكثرهن بركة ] .إلا أن هناك عامل آخر ليس أقل أهمية مما ذكرنا وهو إنتشار التعليم بين الإناث ,وطول مدة الدراسة وغياب ثقافة الجمع بين الدراسة وتكوين الأسرة وسيطرة الأنانية وحب الذات وعدم الرغبة في التضحية بالقليل من أجل الكثير لقلة الخبرة لدى الفتات .فإذا سألت إحداهن لماذا ترفضين الزواج أجابتك وبدون تردد {كيف يمكن لي أن أسجن نفسي بين أربعة جدران من الآن أنا مازلت طالبة ولابد لي أن أتخرج وأحصل على وظيفة ولا تنسى أن الوظيفة هي التي تأتي بالزوج من تحت الأرض .ثم إنني مازلت لم أتمتع بحياتي ولا أريد من الآن زوجا يحصي علي أنفاسي ويقضي على كل طموحاتي } تلاحظ معي أن الجواب هنا يستند الى العاطفة مع شيء من الاعتزاز بالنفس ,وكأن لسان حالها يقول أن عملة صعبة مرغوب فيها في كل زمان دون أن تحتسب المسكينة الزمان البيولوجي الذي يقضي على فرصة الإنجاب.وبالتالي العقم الذي يمكن أن يبدأ عند بعض النساء ابتداء من بلوغهن 35 سنة .وعند ذالك تحرم وبصفة نهائية من الأمومة التي هي مطلب كل أنثى تنشد الاستقرار ,والحياة الطبيعية .والفتاة التي تعمل هي الأخرى لا تستعجل الزواج إما لأنها تريد أن تستفيد باستقلالها المادي ولأطول فترة ممكنة وبالنسبة إليهاا تستطيع الحصول على الزوج في الوقت الذي تريد نظرا لظروفها المادية التي تجعل منها زوجة مرغوب فيها .في كل وقت .وإما أن الأسرة تريد أن تستغل ابنتها ماديا فتعمد الى عرقلة الزواج بحجة أو أخرى لأنها ترى فيها المصدر الوحيد لرزقها . وهذه العوامل ,وقد تكون هناك غيرها تتضافر كلها لتشكل ظاهرة العنوسة التي هي في تقديري طاعون لايترك أخضر ولايابسا. ولكن هل هناك علاجا لهذا المر ض الذي أصبح يؤرق الأسر وبالتالي المجتمع ككل ؟ إن بعض الجمعيات المدنية حاولت أن تنظم أعراسا جماعية , في كل من الجزائر, والأردن, وفلسطين . حتى تقلل من مصاريف العرس, وحتى تشجع الشباب الراغب في الزواج, وتحد من ظاهرة العنوسة. لكن هذه المبادرة, ما زالت محتشمة, وتحتاج الى تشجيع ودعم من طرف الدولة. كما أن هناك اقتراحا للداعية الشيخ عبد المجيد الزنداني دعى إليه من أجل حل معضلة العنوسية شرعيا.ومفاده:{خلق صلة زوجية شرعية جديدة تحت اسم [ زواج فريند أي زواج صداقة] ويقصد به أنه يمكن لكل من الشاب, والشابة من خلال هذه الصلة الزوجية الجديدة أن يرتبطا بعقد زوجي شرعي دون أن يكون لهما بيت يأويان إليه . إذ يكتفي في البداية كل منهما إلى منزل أبيه بعد اللقاء}.ولكن إلى أي حد تتقبل العقلية الاجتماعية المغربية مثل هذا الاقتراح وهل يسهل عليها التضحية بالعادات والتقاليد التي تضفي على الأعراس هالة هي مصدر التباهي والافتخار بين الأسر.فإن لم تفعل فعليها أن تنتظر الأسوأ. وهو ظهور الفتنة و الفساد بكل أنواعه الى جانب تغيير التركبة الاجتماعية للمغرب إذ بدأنا نسمع عن الزواج بالمهاجرين النازحين من جنوب الصحراء وتكوين عائلات لهم وسط المجتمع المغربي . عمر حيمري

0 commentaires:

إرسال تعليق