العنوسة

بواسطة Marrakech يوم الاثنين، 12 ديسمبر 2011 القسم : 0 commentaires
 العنوسة

العنوسة ظاهرة اجتماعية باتت تؤرق الشباب ذكورا وإناثا لاشك أن العنوسة هي إحدى المشكلات الكبيرة التي تعانيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية عامة والمغرب من بين تلك الدول.
مفهوم العنوسة
ورد في القاموس المحيط للفيروزابادي أن العانِس هي "البنت البالغة التي لم تتزوج [والرجل الذي لم يتزوج]، جمعها عوانس وعُنس وعُنَّس وعُنوس"؛ وأيضًا، العانس هو "الجمل الثمين"، كما أن العانس هي "الناقة الثمينة". وكلمة عانس مشتقة من عَنَس؛ والعنس هو الناقةُ الصلبة، والعُقاب، وأيضًا يقال: "عنست الجارية، أي طال مكثُها عند أهلها بعد إدراكها [بلوغها] حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج قط."  العانس، إذن، كما نعرفها عمومًا، هي البنت البالغة التي لم تتزوج، و/أو هو الرجل الذي لم يتزوج. فـالقاموس المحيط أطلق هذا اللفظ على المرأة كما على الرجل.
ما هي أسباب العنوسة؟
إن نسبة العنوسة في المغرب في تزايد مستمر؛ بحيث لم تتجاوز عقود الزواج في الرباط خلال عام 2001 حسب مصادر رسمية مطلعة "8569 عقدا، في حين بلغت حالات الطلاق 2721 حالة، وشكل الطلاق الخلعي النسبة الكبرى من الحالات، بينما احتل الطلاق الرجعي المرتبة الثانية، فيما تبقى نسب حالات الطلاق قبل البناء والطلاق المكمل للثلاث متدنية.
كما أن لكلِّ ظواهر الحياة أسبابًا كذلك للعنوسة أيضًا أسبابها الكثيرة ومن أسباب العنوسة المباشرة والواضحة:
الأسرة والمجتمع
إن ما يعيشه المجتمع المغربي من استفحال لظاهرة العري الفاحش والزنا وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية دفعت الشباب المغربي إلى العزوف عن الزواج بما يشكله من مسئولية إلى الزنا، وهذا ما أشار إليه الأستاذ الباحث  "المصطفى الناصري" -مراسل جريدة "التجديد" المغربية-: "ومن الأدلة على استفحال الأمر، وانفراط العقد، وتفاقم الحالة الأخلاقية.. ما أضحى ينتشر بين ذكور وإناث بلادنا من علاقات بلا حدود، وخدنيَّة ترتب عليها فشو الزنا والفاحشة بشكل خطير".
  الوضع الاقتصادي
الذي يتضمن، في جملة ما يتضمن، غلاء البيوت، سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وما يرافق ذلك من ضعف دور الجمعيات التعاونية – هذا بالنسبة للبيوت. وعن هذه النقطة تحديدًا، أي عن الوضع الاقتصادي، نستطيع التوسع في صفحات لأنها لا تمس في طريقها السكن حصرًا، بل أثاث المنزل كاملاً، مما يقودنا إلى تكاليف الزواج، كما أن ظاهرة المغالاة في المهور وتكاليف الزواج كانت ولا تزال من أهم الأسباب الحائلة دون لجوء الشباب إليه؛ فبعض الأسر تتعامل مع زواج بناتهن وكأنه بيع وشراء، وبالتالي تكون نقطة المهر هي مربط الفرس الذي إما أن يكتمل الزواج بسببه أو ينتهي، وغالب الأسر الميسورة في المغرب لا تفكر في كفاءة الزوج الخلقية بقدر ما يهمها دخله ومركزه ووظيفته.
 إن هذه الالتزامات أدَّت إلى تقليل فرص الزواج لعدم قدرة العريس على القيام بكلِّ هذه الأعباء وهذه الظاهرة يترتب عليها ما يزيد في تعميق وتجذير ظاهرة العنوسة والطلاق؛ فهو من ناحية الفتاة قد تُكره على الزواج ممن لا ترغبه زوجا لها، وبالتالي قد يترتب على ذلك الطلاق.
هجرة الشباب، وتتضمن:
‌. هجرة الشباب للعمل خارج البلاد بسبب ضعف فرص العمل وقلة المداخيل. فالكثير من الشباب مسؤول ليس فقط عن نفسه، بل أيضًا عن والديه.
‌. هجرة الشباب الذين يسافرون من أجل الدراسة ويتزوجون من أجنبيات ويستقرون في بلاد الغربة؛ ولعل أحد أسباب زواجهم من أجنبيات هو رخص تكاليف الزواج‌.
إن هجرة الشباب للدراسة قد أدت إلى نتيجة مفادها أن الطلاب الذين حصلوا على أعلى الشهادات العلمية وعادوا إلى الوطن عاشوا في تناقض فكري بين طريقة زواج تقليدية، يجد المرء فيها نفسه مضطرًا إلى الارتباط بشخص لا يعرفه، وبين الرغبة في زواج عصري. وهذه الأسباب قد أدت بقسم هام منهم إلى عدم الزواج خوفًا من نتائج غير مضمونة، خاصةً أن التكافؤ الفكري والمساواة الثقافية بين الجنسين غير موجودين لأن الاختيار كثيرًا ما يتم عن طريق الصدفة
ازدياد نسبة الإناث 
 شاءت الطبيعة ازدياد نسبة الإناث عمومًا عن نسبة الذكور. وهذا الذي يبدو خللاً طبيعيًّا نلحظه في البلدان المتقدمة أكثر منه في البلدان النامية، 
التفاوت الاجتماعي والثقافي
حيث غالبًا ما يرفض الأهل الزواج بسبب الوضع الطبقي و/أو الاجتماعي لأحد الطرفين لأنه "غير مناسب للطرف الآخر"، بغضِّ النظر عن الملائمة الفكرية أو العلاقة العاطفية التي قد تربطهما؛ مما يقود إلى تلك الحجة التي تتكرر دائمًا: "مو مناسبين لبعض"! ويأتي هنا دور الأهل التقليدي في منع هذا الزواج بحجة "عدم التكافؤ".
نتائج العنوسة
شعور الوحدة الذي يصيب العانس، ذكرًا أو أنثى – هذا الشعور الذي يمكن تعويضه نسبيًّا بالكثير من العلاقات الاجتماعية والصداقات. لكن يبقى واقعُ أنه لا شريك يقف مع الآخر في لحظات الفرح والحزن من أكبر النتائج السلبية للعنوسة، وخاصة بالنسبة لنا. فنحن، كما هو معروف، من الشعوب الاجتماعية والمحبة للآخر، وأصحاب لهفة قد تصل إلى درجة المبالغة في التدخل في حياة الآخرين.
والنتيجة الثانية للعنوسة بالنسبة للذكور، في بلادنا تحديدًا، هو عدم استمرار اسم العائلة ونسبها إلى أجيال قادمة، مما يجعلها غير مستحبة. كما أن العانس غالبًا ما تواجَه بالانتقاد و/أو تُدفَع لانتقاد ذاتها لكثرة التعليقات التي توجَّه لها  لأن غيرها من البنات فزن بالعريس، بينما فشلت هي في ذلك!
ثم إن العنوسة غالبًا ما تؤدي، وخاصة عند البنات، إلى نوع من القمع الذكوري من الأب أو الأخ بحجة أنها بحاجة إلى حماية وأن "كلام الناس لا يرحم"؛ و/أو إلى الكبت الجنسي الذي يمارَس على الفتاة العانس، فتعيش العانس ضمن جدران سجن غير مرئي، محاط بفكرة حمايتها من المجتمع الذي "لا يرحم".
من النتائج السلبية للعنوسة كبت مشاعر الأمومة عند الفتاة العانس.
الجانب الاجتماعي للعنوسة وانعكاساته
 
فالعنوسة، في الأساس، ظاهرة اجتماعية؛ وهي انعكاس مباشر للوضع الاقتصادي السائد. وارتفاع معدلات العنوسة عند الذكور والإناث مرتبط بالوضع الاقتصادي، والتطور التعليمي والثقافي والدراسي، وتحديد السن الملائمة للزواج. والظروف الخاصة التي تسهل الزواج أو تعرقله مرتبطة بالمجتمع، وتتغير مع التغيرات المرتبطة بالتعليم والعمل والمهور وغير ذلك. ونلاحظ في هذا الخصوص ما يلي:
1.    نسبة العنوسة عند النساء أعلى من نسبتها عند الرجال. ونتساءل عن السبب الذي يدفع بالمرأة لأن تضحي بأمومتها ولا ترضى بالزواج من أيٍّ كان
2.    لو أخذنا شريحة من النساء غير المتزوجات لوجدنا أن أكثريتهن متعلِّمات و/أو عاملات، ومن شريحة اجتماعية متوسطة أو أعلى؛ أي أنهن يتمتعن بوضع مادي جيد ولسن عبئًا على أحد من الأهل والاخوة؛ مما يعني أن مشكلة العنوسة غير مطروحة كمشكلة عند الفقراء، إنما هي مشكلة الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع.
3.    نلاحظ أن العنوسة، كظاهرة اجتماعية، تتطور مع ازدياد الوعي. وليس أدل على ذلك من ارتفاع سن الزواج. فمثلاً ارتفع سن الزواج عند الفتيات والشباب للأسباب الآنفة الذكر. ففي لبنان ارتفع متوسط عمر الشباب إلى اثنين وثلاثين عامًا، وعند النساء إلى سبعة وعشرين؛ ويُتوقَّع أن تصبح نسبة العزوبة 60% في العام 2008. وفي المغرب ارتفع أيضًا سن الزواج عند الشباب إلى 30 سنة، وعند النساء إلى 28  سنة؛ بينما في مصر تجاوز خمسة عشر مليون رجل وامرأة سن الثلاثين دون زواج. وبلغت نسبة العنوسة في الكويت 13%. 
4.    لا بدَّ من التوقف قليلاً أمام ما سبق وأشرت إليه مما يتعلق بالفرق بين عنوسة الرجل وعنوسة المرأة، لأنه على الرغم أن كلمةعانس تُطلَق لغويًّا على الجنسين لكن نظرة مجتمعاتنا إلى عنوسة الرجل والمرأة مختلفة جدًّا، والرجل، مادام يملك المال تحديدًا، يبقى بوسعه اجتياز مرحلة العنوسة في أية لحظة، من خلال اختياره لأية عروس، حسب المواصفات. فهو، بعد أن يكون قد فقد من يقوم على خدمته من أمٍّ أو أخت، أو ملَّ حياة اللهو وبدأ يفكر في فوائد الأسرة والنَّسَب الصالح، بوسعه، إن ملك المال، أن يتزوج حين يريد.
من المؤسف، على كلِّ حال، أن الإعلام العربي المرئي والمسموع يُظهِر العانس المرأة بمظهر يثير الشفقة: فهي إما عالة على الآخرين، أو قبيحة، أو تتدخل فيما لا يعنيها، أو تغار من المتزوجات. وإذا كان "المسلسل" حضاريًّا نسبيًّا أظهر الفتاة العانس "مسترجلة"، لا تعتني بمظهرها أو لباسها، وتتصرف بما لا يناسب أنوثتها.
حلول واقتراحات
يرى الأستاذ الباحث المغربي "مصطفى الناصري" أن مشكلة العنوسة "لا تكمن بالضرورة في غلاء المعيشة والبطالة ومشكلة السكن، وإنما يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بهذه الفوضى الجنسية، وهذه الإباحية المقيتة التي اجتاحت بلادنا، حيث نال الكل بغيته من الشهوات من غير حاجة إلى مهر وتكاليف حياة، أو حمل وإرضاع ورعاية الأطفال…".
وهناك جانب في غاية الأهمية -كما تشير إليه الدكتورة سلوى فقير، اختصاصية في أمراض الغدد التناسلية والعقم والسكري- حيث يجب على وسائل الإعلام  القيام بالتوعية الشاملة عن المشاكل التي تتسبب في تراجع الشباب والفتيات عن الزواج مثل الزواج العرفي والعلاقات غير المشروعة.
أضف الى مفضلتك

0 commentaires:

إرسال تعليق