هالة سليمانفاطمة الحجري 

يبدو أنه طوال عقود، كانت المنظمات والشركات والمؤسسات التجارية مباني مجردة يعمل بها الموظفون لينتجوا ويتسلموا أجورهم نهاية كل شهر، لكن هذه التركيبة البسيطة تختلف كثيرا بالنسبة إلى هالة سليمان مديـر الاتصـالات التسويقيـة في «تمكين»، فعلى العكس تماما، تعتبر تلك المؤسسات والشركات كينونات حيّة، تتنفّس وتنتج وتتوالد وتملك تفاصيل معقّدة ومتشابكة شبيهة بالكائن البشري.

وبالتالي هي تجيد تشخيص حالة المؤسسات وقياس حرارتها ونبضها بما في ذلك نبض أداء العمليات الإعلامية التسويقية لتحديد مدى سلامتها ونجاعتها، لتعيد بناء تحركاتها المقبلة وفق تقنيات الإعلام والتسويق بمفهومه الأشمل الذي تعتبره القلب النابض للمؤسسة أو الشركة أو المنظمة. إذ تقول: «يعتقد البعض أن مصطلح الاتصالات التسويقية هو جهود لبيع المنتجات بالمعنى المباشر أو أنشطة علاقات عامة أو حملات دعائية، وفي الحقيقة هناك ثمة إساءة في الاستخدام والفهم لهذا المسمى جراء عدم الأخذ بالمفهوم الكلي للاتصالات التسويقية التي دائما ما تحكي عن سلامة نبض المؤسسات وصحتها بشكل أدق».

تؤمن سليمان بالرأي الذي يقول إن التسويق يأتي في المرتبة الأولى، إذ تقول: «أصبح التسويق، وبكل بساطة، واحداً من أكثر العمليات التجارية أهمية وحساسية، فهو الأداة التي تتحدث من خلالها مع جمهورك بشكل مباشر، بأساليب متعددة ومتجددة لا تخلو من روح الابتكار لتحقيق غرض الانتشار في سوق يتسم بالتقّلب والتغيير السريع».

الابتكار في التسويق
تستشهد سليمان بكلمات أستاذ علم الإدارة بيتر دراكر التي قالها بشأن عمليات التسويق ومازالت أصداؤها واسعة الانتشار إلى اليوم إذ يقول إن التسويق والابتكار هما ما يصنع المال، أمّا كل شيء آخر فيعتبر كلفة، وهي ترى أن هذه الكلمات معبرة وتختزل الكثير من المعاني إذ تقول: «القيام بمهمات الشؤون الإعلامية والتسويقية يعني المشاركة في تركيبة معقدة، ربما تسبب الإحساس بالذعر والإحباط جراء خطورتها، وكم تكرر أن أدت كلمة واحدة في المكان والوقت الخطأ إلى خسائر فادحة للمؤسسات هنا في البحرين خصوصا في الأوقات العصيبة والأزمات المليئة بالعقبات والمتاعب، لذا على العاملين في حقل الإعلام والاتصالات التسويقية الالتفات دوما إلى صحة وفعالية العمليات الاتصالية التي يقوم بها، ثم تشخيصها على الدوام لتأكيد سلامتها على المستويين الداخلي والخارجي».

ومثل المعايير المهنية في الصحافة، تتقدم الموضوعية الاعتبارات وتصوغ فعالية وكفاءة العمليات الإعلامية والتسويقية التي تخضع عادة للتغيير بكل سهولة في كل مراحل تقييم الأداء الإعلامي والتسويقي، وهي العملية التي تمنح المؤسسة قاعدة حقيقية لتحقيق الفعالية الإعلامية والتسويقية والتأكد من سلامتها ومطابقتها لمعطيات ومتطلبات السوق على حد تعبير سليمان.

وهي ترى أن أهمية الإعلام والاتصالات التسويقية تنشط أوقات التقلبات الاقتصادية إذ تتغير سلوكيات العملاء والمستهلكين بالتالي يجب مسح البيئة التسويقية ورصدها ودراستها من جديد وفق المعطيات المستحدثة عبر إجراء مسح خارجي تقييمي واسع النطاق، إذ تقول: «فحص سلامة الاستراتيجية الإعلامية والتسويقية هو عملية تقييم دقيقة لمهمة المؤسسة وأهدافها الإعلامية والتسويقية واستراتيجياتها (..) وفحص سلامة المزيج الإعلامي والتسويقي يعتبر نقطة حساسة ومهمة بالنسبة إلى معظم المؤسسات ذلك أن المزيج يرتبط بالمستهلكين بشكل مباشر، كما أنه يحمل بين طياته أضخم النفقات الإعلامية والتسويقية. وهنا، يتم تقييم واختبار قنوات التسويق ونظم الاتصالات ونظم إدارة العلاقات بالجمهور أو العملاء والبحث والتطوير بأكملها».

بعيداً عن المهنية وأدواتها في عالم الاتصالات التسويقية، تجد هالة ـ التي تنحدر من أسرة إعلامية ـ نفسها تعوم في بحرها الذي يجلب لها السعادة المهنية، وكثيرا ما تسأل نفسها في الأوقات العصيبة: هل أنا في المجال الصحيح؟ فتتوصل إلى إجابة أن هذا المجال مفصل لها ووهو قلبها وقالبها. وهنا تقول: «توصيل المعلومة الصحيحة للآخرين متعة بحد ذاتها، التواصل والتماس مع الجماهير بصدق، الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، جر الصحفيين وجعلهم شركاء لا ناقلين للخبر وحسب، كلها أمور يجلب تحقيقها المتعة والسعادة».

وهي تؤكد أن الاحترافية لا تلغي القلق، فمها تقادمت السنوات وتراكمت الخبرة لا يقل على الطرف المقابل قلق إيصال الرسالة الإعلامية بالطريقة الصحيحة، تقول: «الإيمان بالمؤسسة رسالة يجعلك تعمل على إيصالها ضمن إطار عمل منطقي ممزوج بالحب، ولو سألوني وخيروني ما بين الإدارة وممارسة الأعمال المهنية في المجال الإعلامي لاخترت الأخيرة لكونها تحمل رصيدا أكبر من المتعة»، وهي لا تنفي المتعة أيضا في إدارة الفريق الإعلامي والاستمتاع بنقل الخبرة والتشارك بها. 

وتقول: «أستمتع أكثر ما أستمتع بالمشاركة، وأشعر بالنشوة حين أراقب من تدربوا تحت إشرافي يكبرون ويتقدمون في فضاءات إعلامية قريبة (..) أركز في نقل الخبرة على تعليمهم المنهجية في العمل واتباع ووضع تسلسل منظم لخطوات التواصل مع الجمهور الداخلي والخارجي، ونتشارك في تقييم الأداء الإعلامي والتسويقي ونرصد طبيعة التحسينات التي يجب إدخالها لتمكين «تمكين» من تحقيق أهدافها». 

إلى جانب المنهجية تركز سليمان على الشمولية في الوقت ذاته، وتضع في عين الاعتبار جميع العناصر المؤثرة في الأداء الإعلامي والتسويقي بشكل شامل وليس مجرد تحديد نقاط الضعف، بالإضافة إلى الاستقلالية، لتكون عملية التقييم عملية مستقلة وموضوعية، إذ تقول يجب أن يكون مفهوم تقييم الأداء الإعلامي والتسويقي جزءاً من العملية التخطيطية ذلك أن الخبرة والمعرفة اللتين تتميز بها هذه العملية ستعملان على مساعدة الجيل الجديد من الإعلاميين في زيادة قدراته ومواهبه الإعلامية والتسويقية، وفي ذات الوقت تنمية معارفه ومهاراته».

وتضيف «أركز في تدريبي لهم على أنه لا بد من العمل على بناء الشركة وليس تمزيقها وتدميرها كما يفعل البعض. بجانب ذلك، أركز على أن تمنح عملية تقييم الأداء التسويقي الفعالة للمؤسسة الفرصة للتعلّم واكتساب المعرفة طوال مجريات هذه العملية».

البحث الإعلامي وسوق العمل
إلى صف ذلك تأتي أهمية البحث الإعلامي وتحليل المعلومات في سوق العمل، إذ بات من الضروري في خضم عصر المعلومات أن نأخذ عمليات البحوث الإعلامية على محمل الجد بالنسبة إلى خبراء بحوث التسويق خصوصا في ظل شح المعلومات وفجوة المهارات، وتقول: «لم تعد عمليات البحث العلمي ترفاً بل ضرورة لتطوير برامج فعالة تسهم في تحقيق الأهداف العامة (..) واستطاع التسويق أن يثبت نفسه على المقاعد الأمامية في عمليات التخطيط الاستراتيجي، والنجاح في التسويق مرهون بإجراء بحوث إعلامية وتسويقية تعكس صورة حقيقية عن حالة السوق موضع البحث لمعرفة الواقع والمستقبل وفق المؤشرات المتغيرة خصوصا في أوقات الأزمات».

تجمع هالة بين تخصصات متعددة الأوجه ولا رابط بينها للوهلة الأولى، فمن السكرتارية الطبية إلى إدارة الموارد البشرية إلى السلك الدبلوماسي ثم الإعلام والعلاقات العامة والتسويق تنقلت سليمان لتعمل في تخصصات ومؤسسات عدة، لكنها وحدها تدرك الرابط بين تلك الوظائف التي شغلتها. إذ تقول: «الرابط هو البعد الإنساني والتواصل مع الآخرين، ففي المجال الطبي تعلمت الدقة والتنظيم والتفاعل والتعاطف الإنساني ، وفي المجالات التي عملت بها لاحقا اكتسبت المزيد من المهارات العملية في التواصل (..) لا يوجد شخص لديه كل المهارات لكن التنقل والاحتكاك والتجربة في عوالم مختلفة فيها ما يجمعها حتما يعلم الكثير ويكسب الكثير، لاسيما مع اتباع نهج التعلم الذاتي والقراءة المتسمرة».

وهي ترى أن المدرسة الجديدة في الإعلام تمزج ما بين الإعلام والإعلان تحت مظلة التسويق واستخدام كل وسائل الاتصال المتاحة خصصوا الحديثة منها مثل الفيس بوك والمواقع الشبابية للوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور هذا بإلاضافة إلى التواصل المباشر عبر استهدافهم في أماكنهم في الأحياء والقرى والمدارس والمساجد والمآتم والجمعيات والمجمعات التجارية. وتقول: «لم يعد الاعتماد على إعلانات الصحف بذات أهمية التواصل المباشر، فنحن في تمكين لا نبيع منتجا بل نقدم ستقبل الشباب ونركز كثيرا على تنمية ريادة الأعمال في الأوساط الشبابية». 

الاستثمار في الإعلامي
وعلى الرغم من نبرة التفاؤل العالية التي تتحدث بها سليمان، فإنها تجزم أن البحرين ينقصها الاستثمار في صنع الإعلامي المحلي، مستشهدة بأسماء كثيرة أبدعت خارج الحدود من أمثال بروين حبيب، وفيْ الشرقاوي، وناهد الشيخ، وخالد الشريان، وتقول: «خريجو الإعلام كثر لكن تنقصهم المهارات والتدريب ليلتقي الجانب الأكاديمي بالعملي (..) الإعلامي الناجح يحتاج إلى من يرعاه ويستثمر فيه مثلما يحتاج إلى تنمية مهاراته ليطور من نفسه».

وتقول: «نفتخر أن حكومة البحرين أخذت خطوات إيجابية للاستثمار بالثروة البشرية وتوفر أمامها التسهيلات من خلال العديد من المؤسسات الحكومية من أمثال تمكين وبنك التنمية وبنك الإبداع وبنك الأسرة والمجلس الأعلى للمرأة والعديد من المؤسسات الأخرى التي تحاول الارتقاء بالعنصر البشري وتوفر أمامه الأدوات للارتقاء، غير أن الإعلام لا يزال بحاجة إلى المزيد من الدعم، ونحن في تمكين سنحاول العمل على تعزيز المهارات المفقودة في المؤسسات الإعلامية». وهي تنتقد الشركات العامة في قطاع العلاقات العامة التي توظف الاختصاصيين الأجانب على حساب الاختصاصين البحرينيين أو مع المجتمع المحلي، ولا يعرف خصوصيات البلد، وبالتالي يخفق في توصيل الرسالة الإعلامية بالطريقة الصحيحة. 

وفي الوقت ذاته تنتقد تحول الصحافيين إلى خبراء إعلام ومستشارين إعلاميين، من منطلق أن المستشار يجب أن يكون له تاريخ وخبرة عملية طويلة في مجال تخصصه لا في الصحافة فقط، وتقول: «شهدنا العديد من التجارب التي قدم فيها من يزعمون أنهم خبراء ومستشارون نصائح كانت مدمرة وأوقعت المسؤولين التنفيذيين في مآزق كان الخروج منها صعبا».

0 commentaires:

إرسال تعليق